لقب أستراليا بين أسطورتي نادال وفيدرر
ستكون ملبورن يوم غد الأحد قبلة أنظار عشاق الرياضة عموماً وعشاق كرة المضرب خصوصاً, حين يتواجه قطبا كرة المضرب العالميين الإسباني رافاييل نادل المصنف أولاً والسويسري روجيه فيدرر المصنف ثانياً في نهائي بطولة أستراليا المفتوحة, أولى البطولات الأربع الكبرى, في لقائهما التاسع عشر عموماً, والسابع في نهائي إحدى البطولات الكبرى.
صراع الأرض الصلبة
سيحمل هذا اللقاء في طياته ميّزات عدة, دأب العالم على متابعتها وانتظارها عند كل موقعة تجمع بين هذين اللاعبين خصوصاً منذ العام 2006 (أول لقاء بين الطرفين جرى العام 2004), لكن ميزة جديدة ستضاف هذه المرة تتمثل بخوض اللاعبين النهائي الأول لهما ضمن البطولات الكبرى على أرض صلبة, وهي الأرض المعتمدة في البطولات الأسترالية.
وإن كان الإسباني كرّس نفسه زعيماً مطلقاً على الملاعب الترابية باحتكاره بطولة فرنسا المفتوحة, رولان غاروس, في السنوات الأربع الأخيرة, ثم تجاسر العام الماضي واقتحم مملكة فيدرر الخضراء حين كسر هيمنته المتواصلة منذ الـ2003 على الملاعب العشبية في بطولة ويمبلدون في نهائي تاريخي استغرق 4 ساعات و48 دقيقة, فإن السويسري سيسعى في أستراليا للذود عن مملكة أخرى يمتلك فيها أفضلية مطلقة على نادال, وهي الأرضية الصلبة السريعة (ثماني من ألقابه الكبيرة على أرضيات صلبة) التي قلما تواجها عليها, بالإضافة إلى ما تحمله المواجهة من عناوين ضيقة وعامة كثيرة.
في العموم سبق للاعبين أن تواجها ثماني عشرة مرة, تفوق فيها نادل بشكل صريح, 12 مقابل 6, بينها أربع من أصل 6 نهائيات في البطولات الكبرى, لكن ضمن تلك اللقاءات الـ18, خمسة منها خيضت على ملاعب صلبة حسم منها فيدرر ثلاثة مقابل اثنين لمنافسه, عوضاً عن أن بعيداً عن الملاعب الترابية يعتبر السويسري هو الرقم "واحد" في التصنيف الفني التحليلي.
لكن بمعزل عن تاريخ فيدرر المتفوق على الأرضيات السريعة وأفضليته في هذا المجال مقابل تفوق لنادال على الأرضيات الترابية الأبطأ, علماً أن الأخير تطور كثيراً على الملاعب السريعة, فإن أرض ملاعب ملبورن وبالرغم من كونها صلبة وبالتالي سريعة, فإنها بمكان ما ووفقاً لمحللين فنيين تعتبر قريبة من اللاعبين على حد سواء خصوصاً مع تعديلات أجريت عليها, فالمادة المطاطية المصنوعة منها تجعل سرعة ارتداد الكرة تناسب طريقة أداء الاثنين ما دفع بالكثير من النقاد أن يطلقوا عليها "الأرض العادلة".
جملة دوافع وحوافز
لى جانب ما ذكر تستحث فيدرر جملة مثيرات لإلحاق الهزيمة بغريمه الإسباني, فالأول الذي اعتاد في السنين الأخيرة أن يكون سيّد ملاعب كرة المضرب دون منازع مع تربعه على عرش التصنيف العالمي لأكثر من أربع سنوات متتالية أي 237 أسبوعاً (2 شباط/فبراير 2004-18 آب/أغسطس 2008) وجد نفسه فجأة في العام 2008 في وضع لم يعتد عليه, فلقي هزائم عدة, وانحنى مجبراً أمام بريق نادال الذي لم يكتف بتكريس تفوق مباشر على منافسه فتمادى "فنيّاً" وخلعه عن عرش ويمبلدون, ثم انتزع منه في آب/أغسطس الماضي صدارة التصنيف العالمي ليمسي الرقم واحد والأمر الذي دون ريب يصعب على "الساحر" الأسطوري التعايش معه بسهولة وإن كانت تصاريحه الإعلامية تخفف من وطأة ذلك.
وبعيداً عن الصراع الفني الشخصي بين أكثر عنوانين جدلاً وإثارة وقبلة للأنظار في المجتمع الرياضي عموماً, تبرز نقطة مهمة تتمثل في سعي فيدرر لإحراز لقبه الكبير الرابع عشر, ليعادل بذلك رقم الأسطورة السابق الأميركي بيت سامبراس, واللقب الرابع في أستراليا, كما أن بداية قوية في العام 2009 ستمنح فيدرر دون شك جرعة ثقة, طالما أظهرها في تصاريحه, وستشكل له دافعاً للمضي نحو استعادة صدارة التصنيف العالمي علماً أنه سبق له أن صرح من الدوحة على هامش دورة قطر المفتوحة (5-10 كانون الثاني يناير 2009) مطلع العام الجاري عن ثقته بقدرته على العودة رقم واحد على العالم.
من جهته يملك الشاب الإسباني "المتفجّر بدنياً" في كل حركة يؤديها على أرض الملعب بدوره جملة معطيات ستشكل له دوافع قوية للفوز على الرقم 2 عالميا, أولها تكريس تفوّق شخصي مباشر وفني خصوصاً أنه أول نهائي لهما على أرض صلبة يفتقر نادال على نوعية مماثلة منها لانجازات كبيرة, لذا سيسعى للفوز بأول لقب على أرضية مماثلة في البطولات الكبرى, فألقاب الإسباني الخمسة السابقة أتت بين التراب والعشب (أربعة في فرنسا وواحد في ويمبلدون), لذا ستكون نكهة أول لقب أسترالي مميزة إن حصلت, وكيف إن كانت على حساب الساحر.
كما أن نادال الذي يبلغ من العمر 22 عاماً فقط, سيحسّن في حال فوزه في أستراليا رصيده بالمقارنة مع فيدرر في الألقاب الكبرى (6 مقابل 13), وهو ما زال في مقتبل مشواره الفني, وسيحصّن أيضاً موقعه في صدارة التصنيف العالمي, ودون شك سيكون فوزه, إن تم, ضربة معنوية جديدة للسويسري قد يكون من الصعوبة تخطيها.
المشوار الأسترالي
يعتبر مشوار فيدرر حتى الآن جيد ومتميز في أستراليا ويمكن تقسيمه لقسمين بالجيّد ما قبل ربع النهائي وبالخارق في ما بعده, وهو لم يظهر كذلك منذ وقت طويل, ففي ما قبل ربع النهائي تخطى الدور الأول والثاني والثالث بسهولة تامة, وإن واجه بعض المقاومة في الدور الثاني من الإيطالي اندرياس سيبي (6-1 و7-6 و7-5), لكن في الدور الرابع كان قاب قوسين من الخروج حين واجه الصعب التشيكي توما بيرديتش العشرين الذي نجح في التقدم بمجموعتين, 6-4 و7-6 (7-4) قبل أن يستفيق فيدرر ويفوز بثلاث مجموعات 6-4 و6-4 و6-2, ليضمن ظهوره في ربع النهائي مع ظهور علامات استفهام حول قدرته على الاستمرار بعد لقاء مماثل استمر ثلاث ساعات و48 دقيقة في ظل أجواء ملبورن الملتهبة مع درجة حرارة وصلت للأربعين درجة مئوية.
لكن بدءاً من ربع النهائي كل القراءات سقطت مع ظهور أكثر من رائع لفيدرر, كان ضحيته الأولى المصنف ثامناً الأرجنتيني خوان مارتن دل بوترو الذي "اقتلعه" الساحر 6-3 و6-0 و6-0, ومضى نحو نصف النهائي حيث كان منافسه الأميركي اندي رويك السابع, والأخير حاول تقديم أفضل ما لديه لكنه بالنهاية رضخ لـ"أناقة فيدرر الفنية" وسلّم لنتيجة 6-2 و7-5 و7-5, ووجّه السويسري بذلك إنذارا عالي اللهجة لمنافسه في النهائي (لم يكن تحدد حينها) الذي اقتحمه بجدارة, متجنباً اللقاءات الطويلة المضنية التي يصعب الاستشفاء منها في ظل قيظ ملبورن الأكثر سوءاً على مدار قرن من الزمن وفقاً للأرصاد الجوية الأسترالية.
من جانبه بدت لقاءات نادال حتى الدور ربع النهائي أشبه بنزهة فـ"جرف" كل تعيس حظ أوقعته القرعة بمواجهته ولم يعان في انتصاراته على منافسيه علماً أنه لم يواجه أي مصنف في الأدوار الثلاثة الأولى, وأول مصنف نازله كان التشيلي فرناندو غونزاليز المصنف 13 في الدور الرابع فـ"اجتاحه" قبل أن يلقى بعض المقاومة غير النافعة في ربع النهائي أمام الفرنسي جيل سيمون السادس الذي كدّ جاهداً, قبل أن يرضخ بثلاث مجموعات للاشيء أمنت ظهوراً لنادال في نصف النهائي دون أن يخسر أي مجموعة.
توقع الجميع لقاءاً صعباً لنادال أمام مواطنه العنيد فرناندو فرداسكو الرابع عشر, لكن لم يتوقع أحد "ملحمة" بطولية استغرقت خمس ساعات و14 دقيقة غاية في المتعة والروعة, خانت اللياقة البدنية في نهايتها فرداسكو فخسر على إرساله في المجموعة الخامسة والنتيجة 5-4 لنادال بعد ارتكابه لثلاث أخطاء مزدوجة, مما دفع بالأخير, الذي ارتمى أرضاً غير مصدق أنه أدرك الفوز, لتجاوز حدود ملعبه والتقدم لمعانقة مواطنه الذي كان أفضل أداء من نادال المكافح, الذي رغم الساعات الخمس والحرّ, وجد مخزون بدني أمّن له العبور, لكن علامات الاستفهام اصطفت وكثرت حول مقدرة الإسباني على خوض النهائي بعد المجهود "غير العادي" المبذول في نصف النهائي.
ملحمة أخرى؟
دون شك يحضر ذهن جميع المتابعين آخر لقاء "ملحمي" جمع اللاعبين, نهائي بطولة ويمبلدون 2008, حينها قهر نادال منافسه السويسري في عقر مملكته, ألا وهي الأراضي العشبية وأنهى سيطرة خمس سنوات متتالية, لذلك ومن الخلال المعطيات التي استجدت بعد هذا الانتصار وخصوصاً تصدر نادال للعالم تصنيفاً, سيكون ترقب "ملحمة" أخرى أمنية يتوق لها كل عشاق كرة المضرب, لكن, وإن كان الغوص في قراءات تحليلية "جريئة" يعد مخاطرة بحد ذاته خصوصاً مع عملاقين مماثلين, سيكون التمنّي بعيداً بعض الشيء عن الواقع انطلاقاً لما يتوفر من معطيات.
فنادال, المرهق بتأكيد منه, يبدو نظرياً, وإن كان خارق "الجهوزية البدنية" غير قادر على خوض لقاء طويل آخر من خمس مجموعات في غضون ثلاثة أيام في ظل عوامل جوية مماثلة, لذا سيسعى لبداية قوية ينفذ منها لتقدم سريع علّه يستطيع حسم المباراة بسرعة, وأي سيناريو مختلف سيكون بالمبدأ لصالح منافسه مع الأخذ بعين الاعتبار أن اللقاءات الماراتونية تعتبر عموماً لصالح الإسباني إذا ما قارنّا نقاط قوته بتلك الخاصة بفيدرر, خصوصاً أن تحليلاً آخراً يقول إن نادال لم يُستهلك بدنياً في أستراليا إلا في لقائه الأخير مع فيرداسكو وعليه يستطيع أن يخوض لقاءاً مماثلاً مع فيدرر إن استلزم الأمر, كما أن مدربه الخاص رافاييل مايمو يعد اختصاصياً في توفير إعادة الاستشفاء من مجهود بدني عال.
أما فيدرر, الواثق جداً من نفسه في تصريحاته, فقد أثبت حضوراً بدنياً وذهنياً وفنياً على مستوى عال, وهو يدخل النهائي والترشيحات تميل لكفته لعدة أسباب, أولاً مستواه الراقي بالأخص في ربع النهائي ونصف النهائي, وثانياً بلوغه النهائي بأقل مجهود ممكن وبكفاءته وليس نتيجة ضعف منافسيه, إلى جانب أن الظروف أتاحت له يوماً إضافياً من الراحة كونه خاض لقاء نصف النهائي قبل لقاء نادال بيوم, وعليه تبدو الظروف مثالية له كي يكسر هيمنة الـ"ماتادور" الذي أعلن على الملأ عقب بلوغه النهائي أنه كان يفضل أي منافس غير فيدرر.
لكن عاملاً إضافياً سيكون هو الحاسم على الأرجح, يتمثّل بالسمات النفسية الخاصة باللاعبين ومدى ارتباطها باللقاءات السابقة والدوافع الشخصية الكامنة لدى كل لاعب, فمجرّد وقوفهما وجها لوجه تسقط جميع الاعتبارات لما من حساسية خاصة يكتنفها لقاؤهما, لذا "البقاء للأقوى نفسياً" عبارة تجد لها مرقداً هاماً جداً عند أي تحليل يتناول لاعبين بمكانة فيدرر ونادال, كل منهما يعد أسطورة قائمة بذاتها.
المصدر: الجزيرة الرياضية